من المعلوم أن الملائكة حراس السماوات الذين لا يتنزل الأمر من الله -عَزَّ وَجَلَّ-أو يصعد إلا ويأتيهم منه خبر، كما في الحديث {إن الله إذا قضى الأمر سمع له كضرب سلسلة عَلَى صفوان فيغمى عليهم فيكون أول من يفيق جبريل، فيتلقى الأمر ثُمَّ يمر جبريل عَلَى أهل كل سماء فيقولون: ماذا قال ربكم؟ فَيَقُولُ: الحق وهو العلي الكبير} وهَؤُلاءِ يقولون: من معك؟ أوَ قد بعث؟ فلم يعلموا أنه قد بعث صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي ذلك دليل عَلَى كذب من يدعي علم الغيب ويقول: إنه من الأولياء، فهَؤُلاءِ عباد الله الصالحون في ذلك المكان العظيم حرس السماء لا يدرون من الذي مع جبريل، ولا يدرون أقد بعث أم لا، لكن يعلمون أنه رسول؛ لأن قولهم: أو قد بعث فيه دليل عَلَى أنهم يعلمون أن هناك نبياً سيبعث يقال له مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن لا يدرون عنه شيئاً حتى جَاءَ يستفتح ومعه جبريل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم.
فلما فتحوا له ورحبوا به رأى هناك آدم أبا البشر عَلَيْهِ السَّلام في السماء الدنيا، وفي روايات أخرى أنه رآه عَلَى تلك الحالة وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة، وفسرها المُصنِّف -كما في نسخ أخرى- فقَالَ: الذين عن يمينه، هم أرواح السعداء، والذين عن يساره هم أرواح الأشقياء -عافانا الله وإياكم من الشقاوة ومن طريقها- فكان عَلَيْهِ السَّلام إذا نظر عن يمينه ضحك واستبشر؛ لأنهم من ذريته، وهم من أهل السعادة، ومن أهل الجنة والنجاة -جعلنا الله وإياكم منهم- وإذا نظر إِلَى شماله نظر إِلَى أهل النَّار ممن استوجبوا غضب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعذابه، ومقته فيبكي أبونا آدم لمآل هذه الذرية الذين عصوا الله وأعرضوا عن دعوة الله وما جَاءَ عَلَى لسان أنبيائه، فكانت هذه عاقبتهم وهي النَّار عافنا الله وإياكم منها.
ثُمَّ عُرِجَ به إِلَى السماء الثانية فاستفتح له جبريل، فرأى فيها يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، وفي وجودهما معاً شيء من الحكمة، وفيه شيء من الكرامة لهما؛ لأنهما كما جَاءَ في الرواية أبناء الخالة، وكانا معاً في السماء الثانية عيسى ويحيى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وأيضاً رحبا به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأقرا بنبوته.
ثُمَّ عُرِجَ به إِلَى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف عَلَيْهِ السَّلام فسلم عليه فرد عَلَيْهِ السَّلام، وأقر بنبوته عليه وعلى نبينا مُحَمَّد أفضل الصلاة والتسليم.
ثُمَّ عُرِجَ به إِلَى السماء الرابعة، فرأى فيها نبي الله تَعَالَى إدريس عَلَيْهِ السَّلام، فذلك قوله تعالى:
((وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً)) [مريم:57] كما جَاءَ في الروايات الأخرى، هذا المكان العلي هو السماء الرابعة، فسلم عليه رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرد عَلَيْهِ السَّلام ورحب به وأقر بنبوته.
ثُمَّ عُرِجَ به إِلَى السماء الخامسة فرأى فيها هارون بن عمران أخا موسى عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم فسلم عليه ورحب به وأقر بنبوته، ثُمَّ عرج به إِلَى السماء السادسة فرأى فيها موسى بن عمران.
وما تقدم من السماء الدنيا إِلَى الخامسة هذه هي الرواية الواضحة التي لا ينبغي أن تعارض بما جَاءَ في رواية
شريك ولا غيره؛ لأن
شريكاً اضطرب في الرواية.
وفي رواية أيضاً
للزهري أنه قَالَ: لم يضبط ولم يحفظ ولم يدر الأَنْبِيَاء في أي سماء وهذه أرجح وأوضح الروايات.
ثُمَّ تختلف الروايات الصحيحة الثابتة التي يصعب علينا أن نرجح أحدها عَلَى الأخرى.